وتدوين الأحاديث وقع في الصدر الأول قبل فساد اللغة العربية، وحين كان كلام أولئك - على تقدير تبديلهم - يسوغ الاحتجاج به، وغايته يومئذ تبديل لفظ يحتج به بآخر كذلك، ثم دون ذلك البدل، ومنع من تغييره ونقله بالمعنى، فبقي حجة في بابه صحيحة، ولا يضر توهم ذلك الاحتمال السابق في استدلالهم بالمتأخر.
وقد ناقش بعض شارحي (١) كتاب "الاقتراح" ابنَ خلدون، فقال:
إن تدوين الأحاديث وقع بعد فساد اللغة، وقال: لم يحصل التدوين إلا في عصر التابعين، ووقع يومئذ الاختلاط في اللغة، والرواية بالمعنى لم تقف عند حد من يتكلم بالعربية سليقة.
ولا يسعنا أمام دعوى ابن خلدون، ومناقشة هذا الشارح له، إلا أن نقول كلمة في تاريخ تدوين الحديث، ونتحدث عن العهد الذي وقع فيه فساد اللغة، لعلنا نهتدي إلى ما يفيدنا في أصل البحث:"بحث الاستشهاد بالحديث في اللغة".
الواقع أن أصل كتابة الحديث وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وممن كان يكتب الحديث: عبدالله بن عمرو بن العاص، ولهذا كان أكثر جمعأ للحديث: من أبي هريرة. أما تدوينه في كتب، فقد وقع بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز المتوفى سنة ١٠١ هـ، ومن المروي في الصحيح: أنه كتب إلى أهل الآفاق: أن انظروا ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو سنته، فاجمعوه، أو فاكتبوه.
وأول من دون الحديث: محمد بن مسلم الزهري المتوفى سنة ١٢٤ هـ والمعروف أنه كان يروي عن الصحابة مثل: عبدالله بن عمر، وأنس بن مالك،
(١) هو: ابن علان، وتوجد نسخة من شرحه بالمكتبة التيمورية.