بأن عبد الرحمن بن حسان شبب برملة بنت معاوية؛ نكاية ببني أمية".
قصة تشبيب عبد الرحمن برملة رواها صاحب "الأغاني"، ولم يقل: "نكاية ببني أمية"، ولا أحسب هذه الكلمة إلا من طينة الاستنباطات التي يصعد إليها المؤلف على سلم العاطفة، وتشبيب الرجل بالمرأة يكون من داعية صبابة، ويكون لرفع قيمة الشعر، أو التطلع إلى فخر، ويكون نكاية بأبيها أو أخيها وحده، والظاهر، أن تشبيب عبد الرحمن برملة -إن صحّ- لا يُحمل إلا على مثل هذين الباعثين؛ وقد ذكر صاحب "الأغاني" نفسُه أن معاوية قال لعبد الرحمن: ألم يبلغني أنك تشبب برملة؟ قال له: بلى، ولو علمت أن أحداً أشرف لشعري منها، لذكرته.
فإن لم يرض المؤلف عن هذا الوجه، ورآه من الاعتذار الذي يراد به التخلص، فليكن ذلك التشبيب للنكاية بيزيد، فقد حكى الجمحي في "طبقاته": أن يزيد وعبد الرحمن كانا يتقاولان الشعر حتى استعلاه عبد الرحمن. ومما يجعل أصل القصة في وهن: أن صاحب "الأغاني" حدثنا تارة أخرى بأن تشبيب عبد الرحمن كان بأخت معاوية، لا بابنته، وأن يزيد قال لمعاوية: إنه شبّب بعمتي.
يتواضع المؤلف إلى الروايات التي توافق هواه، ولا يكفيه أن تكون واهية محفوفة بالريبة من كل جانب، حتى يعمد إلى أن يستنبط منها ما لا يخطر على خيال الباحث الرصين.
كل أنصاري يشبب بأموية، أو يهجو أموياً، فللنكاية ببني أمية، وكل قرشي يشبب بأنصارية، أو يهجو أنصارياً، فللنكاية بالأنصار. فالعصبية ثائرة، والفتنة غاشمة. إذاً، هذا الشعر الجاهلي منتحل، وليس من الجاهلية في شيء!.