وهذا الفن هو الذي يعنيه بعض المستشرقين من أُدباء أوربا حيث يرمون الشعر العربي بقلة الحظ، وقصر الخطا في مضمار الخيال، وقد تعلق به أُدباؤنا في منثور كلامهم؛ كمقامات الهمذاني والحريري وغيرهما، ولكن الشعراء لم يحتفلوا به فيما سلف كما احتفل به غيرهم من شعراء أُوربا؛ إذْ أفرغوا معظم شعرهم في الروايات التمثيلية، والقصص الموضوعة على لسان حالة إنسان أو حيوان أو جماد. ومن الأمثلة المضروبة لهذا النوع من كلام العرب: قول بعضهم:
قد زارني طيفُ من أهوى، فقلت له: ... كيف اهتديتَ وجنحُ الليلِ مسدولُ
فقال: آنستُ ناراً من جوانِحكم ... يضيءُ منها لدى السارينَ قنديلُ
فقلت: نار الهوى معنى وليس لها ... نورٌ يضيءُ فماذا القول مقبول
فقال: نسبتنا في الأمر واحدة ... أنا الخيال، ونارُ الشوقِ تخييلُ
هذا ما طاوعني عليه القلم من التحرير في فن لا يجيد الغوص في أغواره، ويأتي عليه من أطرافه، إلا من بات فكره في صفاء، وضميره في ارتياح، وإني لجدبر بإغضاء الناظر عن قصور أعثر في أذياله؛ فإني أرسلت نظري، وهززت قلمي إلى هذه المقالات يوم وضعت رحلي ما بين وادي النيل والأهرام. ولسان حالي ينشد متمثلاً:
إلى الله أشكو بالمدينة حاجةً ... وبالشامِ أُخرى كيفَ يلتقيانِ
والحمد الله الذي أنعم فوفّى، وسلام على عباده الذين اصطفى.