وفي هذه الصبغة خرج كثير من أشعار الصوفية؛ كما تراه فيما ينسب إلى الشيخ ابن عربي، وابن الفارض.
وقام بإزاء هذه النزعة الفلسفية: أن الشعراء عندما اتسعت دائرة العلوم الإسلامية، ونقلت العلوم النظرية إلى العربية، مدَّ بعضهم يده إلى قضايا هذه العلوم واصطلاحاتها، فخلط بها الصور الخيالية؛ كقول أبي تمام:
خرقاءُ يلعب بالعقول حبابُها ... كتلاعب الأفعال بالأسماء
وقول ابن جابر يمدح الرسول الأعظم - صلوات الله عليه -:
أضفت إلى رحماك نفسي فأصبحت ... ذنوبي كالتنوين تستوجب الحذفا
وقول الشاعر حيص بيص:
لا تضع من عظيم قدر وإن ... كنت المشار إليه بالتعظيم
ونقطةُ قلبٍ أصبحت منشأ الهوى ... وعن نقطةٍ موهومةٍ ينشأ الخطُّ
وقول أبي علي المهندس:
كأن فؤادي مركز وهمُ له ... محيطٌ وأهوائي لديه خطوط
وكذلك كانوا يقتبسون من سائر العلوم، حتى راق لكثير من المتأخرين أن يجعلوا قصائدهم كنموذج يلوح به إلى علوم شتى، ومن أثر ممارستهم للعلوم النظرية: إيراد التشابيه في أساليب منطقية؛ كقول بعضهم:
لو لم يكن أقحواناً ثَغْرُ مبسمها ... ما كان يزداد طيباً ساعةَ السحر