بنى المؤلف هذه النتيجة الخيالية على أن ما شرعه الإسلام من أنظمة وقواعد وآداب، لم يكن في شيء قليل ولا كثير من أساليب الحكم السياسي، ولا من أنظمة الدولة المدنية، وأنه لا يبلغ أن يكون جزءاً يسيراً مما يلزم لدولة مدنية. وقد أريناك أن قواعد الإسلام وأنظمته قائمة على رعاية المصالح التي يبحث عنها أصحاب القوانين الوضعية، فيصيبونها تارة، ويخطئونها تارة أخرى، وأن الواقف على روح التشريع الإسلامي يرى عين اليقين أنه يوافق طبيعة كل زمان ومكان، وأنه لا يهمل مصلحة يقتضيها حال شعب من الشعوب، ولكن المؤلف"من أولئك الذين لا يعرفون الدين إلا صورة جامدة"، ولقد كان علمه بأساليب الحكم السياسي وأنظمة الدول المدنية يشابه علمه بانظمة الإسلام وقواعده وآدابه. ولكون بضاعته في العلم والسياسة مزجاة، خرج كتابه مزيجاً من آراء دينية، وأخرى سياسية؛ فابتسم من نوادرها رجال العلم ازدراء، ونغض إليها السياسيون برؤوسهم هزءاً.
بنى المؤلف هذه النتيجة الخيالية على زعمه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشر إلى أمر الحكومة بعده، ولا جاء للمسلمين فيها بشرع يرجعون إليه. وقد عرفت أن أحاديث الخلافة وغيرها؛ كحديث خطبة الوداع: "ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله، فاسمعواله، وأطيعوا (١) ". ثم وردت آيات الأحكام في صيغ العموم؛ كقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤] , كل ذلك يدل على أنه جاء بشريعة يرجع إليها المسلمون في حكومتهم بعده، كما كان - صلى الله عليه وسلم - يسوسهم بها في حياته.