ولم ينكرها، ولا أمر بها، ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا؛ لنرجع فيها إلى أحكام العقل، وتجارب الأمم، وقواعد السياسة".
أتى المؤلف بهذه الكلمات كالنتيجة للأبواب التسعة، وما حشاها به من شبه ومزاعم، وقد نبهنا على منشأ هذه الشبه والمزاعم، فتخاذل أمرها، وذهبت جُفاء.
بنى المؤلف هذه النتيجة الخيالية على ما حاول الطعن به في أدلة الخلافة، وقد عرفت أن الخلافة من الأحكام العملية التي يكتفى فيها بدلالة حديث، أو قاعدة، أو إجماع، وقد قامت هذه الأدلة الثلاثة: السنّة، والقواعد، والإجماع على وجوب نصب الخليفة، فكانت الخلافة ثابتة بما يفيد علماً قاطعاً.
بنى المؤلف هذه النتيجة الخيالية على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يولّ على الناس من يقوم بالحكم فيما ينشب بينهم من الخصومات. وقد سقنا إليكم الروايات الصحيحة على أن القضاء كان داخلاً فيما يناط بعهدة الأمراء، وأن من الروايات ما نُصّ فيه على القضاء باسمه الخاص؛ كحديث علي، وعمر، ومعاذ - رضي الله عنه -.
ينى المؤلف هذه النتيجة الخيالية على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مبلّغ فقط، وليس عليه أن يأخذ الناس بما جاء به، وقد فندنا هذا الزعم تفنيداً بما أقمناه من الأدلة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مرشداً واعظاً، وإماً منفذاً، وأن التنفيذ داخل في وظيفته السماوية، وأنه كان ينفذ الأحكام عملياً، ومما جاء في "صحيح البخاري" (١): والله! ما انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه قط حتى