للأدب أثر في أن يكون وعظك ناجحاً، ورأيك نافذاً. وللأدب أثر في أن تسوق القصة، فتسرع القلوب إلى ملاحظة ما حوته من عبرة. وللأدب أثر في أن تستقر الآراء العلمية في نفوس كانت قد عرضت عليها في غير أسلوب أدبي، فلم تسكن إليها.
فالأديب يحسن عقد المشابهة بين المعقولات والمحسوسات، أو بين المعاني الخفية والمعاني الجلية، ويجيد الاقتباس من آيات القرآن الحكيم، ويضع الأمثال في المقامات الشبيهة بمواردها، وهو الذي يريد أن يتحدث عن المعنى الواحد في المقام الواحد مرات متعددة، فيستطيع أن يعبر عنه في كل مرة بطريق يعرضه عليك في صورة جديدة، فتجد من الارتياح له ما لا تجده عندما ياتيك في صورته التي عرفته بها أول مرة.
ولو نظرت في المواعظ التي كانت تلقى على الأمراء والوزراء ونحوهم من الرؤساء المستبدين، فيلاقونها بسكينة، أو يتقبلونها بقبول حسن، لوجدت كثرها من قبيل المواعظ التي ينفث فيها الأدب شيئاً من روحه اللطيف، ولاسيما أدباً يتالق في موعظة صادرة عن إخلاص.
وإذا كان أولو الأنظار السليمة يعرفون الحق في أي عبارة ظهر، ويدركون الحجة في أي مقال وردت، فإن في الناس من يرد عليه الباطل في زخرف من القول، فيحسبه حقا، وتتعرض له الشبهة في حلية من محاسن البيان، فلا يرتاب في أنها حجة، ذلك لأنه يتخيل أن بين البراعة في القول، والسداد في الرأي صلةً لا تنقطع، فلا تراه يزن المعاني بميزان المنطق ليعلم صحيحها من سقيمها.