وهؤلاء الذين يستهويهم رونق الألفاظ أكثر من حكمة معانيها، ليسوا بقليل، فلا ينبغي لنا أن نستخف بهم، وندعهم لعصبة المضلين، يعرضون عليهم الآراء المنحدرة بهم في شقاء.
وإذا لم يكن لأولئك المضلين سبيل على المستضعفين سوى أنهم يحبرون لهم القول تحبيراً، فمن الميسور لدعاة الإصلاح أن يسابقوهم في مضمار البراعة، فإنهم متى ألبسوا الدعوة إلى الحق والفضيلة أساليب بديعة، أحرزوا الغاية، وأنقذوا أولئك المستضعفين من ضلال بعيد.
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخير لإبلاغ رسالته الملوك والرؤساء من عرفوا بالحكمة وفصاحة اللهجة، تعرف هذا حين تقف على أسماء أولئك المبعوثين، وتقرأ شيئاً من أحاديث دعوتهم؛ كقول العلاء الحضرمي للمنذر ابن ساوي ملك البحرين:"يا منذر! إنك عظيم العقل في الدنيا، فلا تصغرن عن الآخرة". وقول سليط بن عمرو لهوذة بن علي ملك اليمامة:"إن قوماً سعدوا برأيك، فلا تشق به". وقول عمرو بن أمية الضمري للنجاشي:"إن عليّ القول، وعليك الاستماع، إنك كأنك في الرقة علينا منا، وكأنا بالثقة بك منك؛ لأناّ لم نظن بك خيراً قط إلا نلناه، ولم نخفك على شيء إلا أمناه". وقول عبد الله بن حذافة لكسرى:"قد ملك قبلك ملوك أهل الدنيا وأهل الآخرة، فأخذ أهل الآخرة بحظهم من الدنيا، وضيع أهل الدنيا حظهم من الآخرة، فاختلفوا في سعي الدنيا، واستووا في عدل الآخرة". وقول دحية ابن خليفة الكلبي لقيصر ملك الروم:"فاسمع بذلّ، ثم أجب بنصح، فإنك إن لم تذلل، لم تفهم، وإن لم تنصح، لم تنصف".
عني بأدب اللغة نفر تصدوا بعد للكتابة في العلم أو الاجتماع أو السياسة،