وربما اشتقوا منه أفعالاً على قياس ما يشتقونه من أسماء الأجناس الأصلية في أبنيتهم؛ نحو: تطليس: إذا لبس الطيلسان، وألجم الدابة: إذا وضع اللجام في فمها، واتسعوا في تصريفها إلى أن نقلوها إلى غير معناها على سبيل المجاز، فقالوا: لجمه الماء: إذا بلغ فاه.
وإذا تصرفوا فيها كما يتصرفون في أوضاع كلامهم، صارت بمنزلة الألفاظ المرتجلة عندهم. وليس بصحيح ما يزعمه بعضهم من أن إدخال الألفاظ الأعجمية على اللغة مفسد لها؛ فإن القرآن، وهو الراقي بفصاحته إلى حد الإعجاز، قد اشتمل على عدة كلمات غير عربية؛ نحو: مشكاة من الهندية، وإستبرق من الفارسية، وقسطاس من الرومية، وهذا لا ينافيه قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[يوسف: ٢]؛ فإن هذه الألفاظ لما أخذها العرب، وأدخلوها في لسانهم، اختلطت بلغتهم، وصارت معدودة فيما هو عربي فصيح، فلا يخرج الكلام الشامل لها من نسبته إلى العربية.
وأنكرت طائفة - منهم ابن جرير الطبري - وقوع المعرَّب في القرآن، وادعوا أن هذه الأمثلة مما تواردت فيها اللغات، فتكلمت بها العرب والفرس أو الروم - مثلاً - بلفظ واحد من دون اقتباس، ولا يصح القول بهذا في مثل إستبرق وسندس؛ لأن الثياب الحرير ليست من مصنوعات العرب، وإنما عرفوها من الفرس.
وتجاوز كثير الحد في هذا النوع، وأتوا إلى كل لفظ عربي يعثرون عليه في لغة أخرى، وحكموا عليه بأن العرب اقتبسته من تلك اللغة، وإن كان معناه مما شأنه أن تشترك فيه الأمم، أو لا يدرى من الذي أنشاه سابقاً؛ مثل: الهرج؛ أي: الفتنة، والدرّي؛ أي: المضيء، والشطر؛ أي: الجهة،