المنبت، ووسامة المحيا، وحسن السمعة، وأطال حساب هذه المتممات حتى قال:"وربما لا يستطاع القول على إنسان: إنه سعيد، إذا كان له أولاد أو أصدقاء ذوو أخلاق سيئة، أو إذا فقد من كان له من أولاد أو أصدقاء".
وبعد هذه الآراء الثلاثة: رأي الارتيابيين الذين يجعلون السعادة في الخلو من الألم، ويقولون: من يبغي السعادة، يسعى إلى أن يكون هادئ البال، مرتاح الضمير، وهذه الراحة تتحقق- فيما يزعمون- حيث يقف الرجل بين اليقينيين والسفسطائيين، فلا يقطع في الأحكام بإثبات مثلما يفعل اليقينيون، ولا يقطع فيها بنفي مثلما يفعل السفسطائيون، فالذي لا يعتمد في حكمه على سلب أو إيجاب، هو البالغ منتهى السعادة.
لم يذهب أحد من فلاسفة العرب أو الإسلام - فيما أعلم - على أن السعادة في اللذة المحسوسة، وليس من المعقول أن يدرس القرآن دارس، ثم ينحط إلى هذا المذهب السخيف، بل يذهب فريق منهم؛ كفخر الدين الرازي إلى نفي أن يكون هناك لذة غير الحكمة، وقالوا: لا لذة إلا في المعارف، وما يسميه الناس لذة حسية؛ كالمأكل والمشرب إنما هو دفع ألم الجوع والعطش، وما يسمونه لذة خيالية؛ كالرياسة إنما هو دفع ألم القهر والغلبة.
ومن البديهي أن لا يكون في فلاسفة الإسلام من يذهب إلى أن السعادة في الخلو من الألم، على النحو الذي يصوره الارتيابيون، وإنما تدور آراؤهم في السعادة حول الفضائل النفسية وحدها، أو هذه الفضائل مضافة إليها الخيرات البدنية والخارجية، ونخص بالبحث في هذه الكلمة برأي أبي نصر الفارابي، ورأي أحمد بن مسكويه؛ فإنهما قد خاضا في هذا الموضوع