تصدى (أرسطو) لنقض هذا المذهب في بحث اللذة من كتاب "الأخلاق"، ومن ذا يقبل أن تكون اللذة الحسية الخير الأعلى في هذه الحياة، إلا من يريد أن يفرق بين حياة الإنسان وحياة غيره من الحيوان؟ والفرق بين الحياتين قررته الشرائع، وآمنت به الفلسفة، وإذا كنا على يقين من أن الرغبة قد تتوجه إلى الأشياء التي لا يختلف العقلاء في أنها شر، كان من الخطأ أن نجعل توجهها إلى اللذة دليلاً على أنها الخير الأعلى في هذه الحياة.
ويقابل مذهب القائلين: إن السعادة في اللذة، مذهب فريق من اليونان أيضاً، يزدرون اللذة أيما ازدراء، ويرون السعادة كلها في قوى النفس التي هي: الحكمة، والشجاعة، والعفة، والعدالة، وقالوا: إن هذه الفضائل كافية في تحقيق السعادة، ولا يحتاج معها إلى ما هو خارج عن النفس من نحو الصحة والثروة والرياسة، ومن أصحاب هذا المذهب: بقراط، وأفلاطون، وفيثاغورس، وسقراط، فالفضيلة والسعادة في رأي هؤلاء مترادفتان، توجد إحداهما أينما وجدت الأخرى.
وذهب آخرون في فهم السعادة إلى وجهة ثالثة، فلم يجعلوها اللذة، ولم يقصروها على الفضائل النفسية، بل نظروا إلى الإنسان مركباً من نفس وبدن، فقالوا: إن سعادة النفس لا تكون كاملة حتى تقترن بسعادة البدن؛ كالصحة وسلامة الأعضاء، وبالخيرات الخارجة عن البدن؛ كالثروة والرياسة.
وقد نحا (أرسطو) في كتاب "الأخلاق" هذا النحو، فصرح بأن السعادة هي الخير الأعلى، ولم يجعلها - مع هذا - مقصورة على كمال النفس، بل جعلها الفضائل النفسية الركن الأعلى للسعادة، وأضاف إليها أشياء أخرى جعلها من متمماتها؛ كصحة البدن، وسعة الرزق، والنفوذ السياسي، وشرف