بذراع، كما أنك تجد أكثر الناشئين في جحور السفلة، أو من أطلقت حبالهم على غواربهم زمن الحداثة في أفظع حال من فساد الأذواق، وعدم الخضوع لسلطة الأحكام الدينية، والانخداع بالظواهر المزخرفة عن الغوص على الحقائق التي لا يُلقَّاها إلا ذو حظ عظيم من الحكمة.
تَعجَبُ العامة لرجل يبرع في فنون كثيرة، ويبدع في التصرف في مباحثها المشكلة، فيفرغها في قالب التحقيق، حتى إذا فاوضته في أي علم منها، خيل لك أنه الواضع لأصوله، ولا تلبث زمناً يسيراً تجس نبض أخلاقه إلا وجدت فيها عوجاً وأمتاً، أما الفيلسوف النقّاد فلا يرى ذلك شيئاً عجاباً للنكتة التي لوَّحنا إليها، وهي سوء التربية الأولى، والدليل على ما نقوله أن الصبي يولد على الفطرة الخالصة والطبع البسيط، فإذا قوبلت نفسه الساذجة بخلق من الأخلاق، انتقشت صورته في لوحها، ثم لم تزل تلك الصورة تمتد شيئاً فشيئاً إلى أن تأخذ بجميع أطراف النفس، وتصير كيفية راسخة فيها، حائلة لها عن الانفعال بضدها، يؤيد هذا أنَّا إذا رأينا من الغرباء من هو لطيف الخطاب، جميل اللقاء، مهذب الألمعية، لا نرتاب في دعوى أنه ممن أنبته الله في البيوت الفاضلة نباتاً حسناً.
ومن الناس من يدرك أن التقام الأطفال لثدي التربية، مما يؤثر في نفوسهم إصلاحاً عظيماً، ولكن فرط الرأفة الذي ينشأ من التغالي في حبهم، يكسر من صلابة الآباء شيئاً كثيراً، فيدفعهم عن مكافحة طباع أبنائهم الرديئة ومقاومتها بالتأديب، وينفض بهم ذلك الإهمال إلى التنقل في مراتع الشهوات الزائغة. كلّا هذه رأفة غير ممزوجة بحكمة. التنقل في مراتع الشهوات، تتولد عنه نتائج وخيمة، تثير بين الآباء والأبناء من النفرة والتباعد بمقدار ما كان