بينهما من الحنان والمقاربة، وتصير بهم إلى أن تضرسهم أنياب الاضطهاد، وتدوسهم أقدام الامتهان.
لا نريد بكراهة هذه الرأفة المفرطة أن يفتك من الصبي سائر إرادته، ويسلب منه جميع عزائمه، كما يفعله الجاهلون بأساليب الإصلاح والتهذيب. إن ذلك مما يحول بينه وبين عزة النفس وما يتبعها من قوة الجأش، وأصالة الرأي، والإقدام على إرسال كلمة الحق عندما يقتضيها المقام، فيكون ألعوبة بيد معاشريه، كالكرة المطروحة بينهم يتلقفونه رِجْلاً رِجْلاً، أو آلة يستعملونها فيما يشتهون.
التربية النافعة ما كانت أثراً لمحبة يطفئ البأس شيئاً من حرارتها، وصرامة تلطف الشفقة نبذة من شدتها، وهي التي يستوجب بها الوالدان دعاء الولد بقوله:"رب ارحمهما كما ربّياني صغيراً"، ولما كان الابن مثالاً لمن جعله الله عليه كفيلاً ومظهراً لآثار تعود على وليه بكِفْل من جزائها، فما بالنا لا نرسم في طباع أبنائنا أشكالاً محمودة، تمثل لمن بعدنا هيئة ما كان عليه سلفهم الصالح، عوض أن ننقشها لهم في عمد ممددة أو خُشُب مسندة؟!
وخاتمة المقال، إن تعميم التربية بين طبقات الأمة شيء واجب، لا ينتظم لها العيش الناعم بدونه، ولا تشرق صحائف تاريخها بسواه.