للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُدفعوا إذا هاجموا، ويُبادرَوا بما يكف بأسهم إذا تحفزوا، وُيقوّموا إذا اعتدوا على الحق حتى ينصفوا، يأذن الإِسلام في دفع المهاجم، أو كف المناوئ، مع رعاية جانب الرفق والأخذ بالعرف.

ومن الرفق الذي أقام عليه سياسته الحربية: أنه منع من التعرض بالأذى لمن لم ينصبوا أنفسهم للقتال؛ كالرهبان، والفلاحين، والنساء، والأطفال، والشيخ الهرم، والأجير، والمعتوه، والأعمى، والزَّمِن، ومن الفقهاء من لا يجيز قتل الأعمى والزَّمن، ولو كانا ذوي رأي في الحرب وتدبير. ولا يجوز قتل النساء، وإن استُعملن لحراسة الحصون، أو رَمين بنحو الحجارة، ودليل هذا قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة: ١٩٠]، فجعل القتال في مقابلة القتال. ونبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن من لا يقاتل لا يُقتل، حين وجد امرأة في بعض الغزوات قتيلة، فأنكر ذلك وقال: "ما كانت هذه لتقاتل" (١).

وإذا وضع المحاربون الأطفال والنساء أمامهم، وجب الكف عن قتالهم، إلا أن يتخذوا ذلك ذريعة للفوز علينا، ونخشى أن تكون دائرة السوء على جندنا.

ولا يجيز الإِسلام التمثيل بالمحارب، قال - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً" (٢)، ويمنع من حمل رؤوسهم من بلد إلى بلد، أو حملها إلى الولاة، وقد أنكر أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - هذا، وقال: هو فعل الأعاجم.

ولم يشرّع الإِسلام للأسير حكماً واحداً، بل جعل أمره موكولاً إلى


(١) "صحيح الإمام مسلم".
(٢) رواه مسلم.