والوقائع التي تخطر في الحال، وتكاد لا تسأله عن معنى لفظ غريب، أو وجه من الإعراب، إلا أتاك بالشاهد على البداهة، أو بعد تأمل قريب، وقد يقول قائل: إن هذا الشأن أيسر من شأن ابن عباس؛ لأن ذلك الأستاذ قد حفظ تلك الشواهد من مثل "التسهيل"، و"المغني"، و"تاج العروس"، وغيرها من الكتب التي تربط الشواهد بمسائلها. أما قصة ابن عباس فيظهر منها أنه يتناول الشاهد من بين ذلك الشعر الكثير، ويضعه على المسألة مثلما يصنع المجتهدون في علم اللغة، وذلك يحتاج إلى بحث وأناة، فالجواب عن نحو مئتي مسألة بمثل تلك السرعة فيه غرابة تلفت النظر إلى القصة، أو تقدح الريبة في صحتها.
هذا البحث مقبول، ولكني أريد أن أقول: إن هذه الغرابة وحدها لا تكفي في الحكم على القصة بالوضع، فمن المحتمل أن يكون ابن عباس ممن يقضي جانباً من وقته في التماس الشواهد على تفسير الغريب من القرآن، حيث رأى الناس مقبلة، أو محتاجة إلى هذا النوع من العلم، فيكون جوابه عن مسائل ابن الأزرق نتيجة بحث سابق، وتأمل غير قليل، فلا غرابة أن يلقم ابن الأزرق الجواب عقب كل مسألة يطرحها عليه.
وإذا كانت الغرابة لا تكفي للقطع باصطناع هذه القصة، فلنذهب في البحث عنها من جهة الرواية، لعلنا نجد في البحث من هذه الجهة هدى.
روى ابن الأنباري في كتاب "الوقف والابتداء" نبذة منها بسند يتصل بمحمد بن زياد اليشكري عن ميمون بن مهران. وميمون بن مهران ثقة، ولو اطردت القصة مارة على رجال من مثله إلى ابن الأنباري، لم نجد مانعاً من دخولها في تاريخ الأدب الصحيح، ولكن محمد بن زياد اليشكري مطعون