للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هؤلاء من ينفيها من الدنيا بإطلاق، كما قال أبو الجوائز الحسن بن علي:

دع الناس طراً واصرف الودَّ عنهم ... إذا كنت في أخلاقهم لا تسامحُ

ولا تبغ من دهرٍ تظاهر رنقه (١) ... صفاء بنيه والطباع جوامحُ

وشيئان معدومان في الأرض: درهمٌ .... حلالٌ، وخلٌّ في الحقيقة ناصحُ

وقال آخر:

زمانٌ كلُّ حِبٍّ فيه خَبٌّ ... وطعم الخِلِّ خَلٌّ لو يذاقُ

له سوقٌ بضاعته نفاقٌ ... فنافقَ فالنفاقُ له نَفاقُ

ومنهم من يشكو أهل زمانه، ويخبر بأنه لم يجد من بينهم من يصطفيه للصداقة؛ كما قال بعضهم:

خبرت بني الأيام طرّاً فلم أجدْ ... صديقاً صدوقاً مسعداً في النوائبِ

وأصفيتهم مني الوداد فقابلوا ... صفاء ودادي بالنوى والشوائبِ

وما اخترت منهم صاحباً وارتضيته ... فأحمدته في فعله والعواقبِ

وكما قال الطغرائي:

فلا صديق إليه مشتكى حزني ... ولا أنيس إليه منتهى جذلي

والحق أن صاحب الفضيلة لا يعدم الصديق الفاضل، وتحمل هذه الأشعار وأمثالها على أن أصحابها قد نظموها في أحوال خاصة؛ كأن يروا من بعض من كانوا يعدونهم أصدقاء أموراً يكرهونها، أو يروا منهم سكوناً حيث يجب عليهم أن يتحركوا لإسعادهم.


(١) رنقه: كدره.