للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو تأمرهم، أو تنهاهم بأسلوب ليس من شأنه التأثير على أمثالهم، لبقيت هذه الفريضة ملزمة في أعناق الذين يستطيعون أن ينفذوا بألمعيتهم إلى نفوس الطوائف، ويصوغوا إرشادهم وموعظتهم على الطراز الذي تألفه نفوس الطائفة التي يحاورونها.

وليست القدرة على الدعوة في قوتي الحجة والبيان وحدهما، بل تأخذ معهما كل ما يتوقف عليه إقامة الدعوة؛ كوسائل نشرها في بيئة نفقت فيها سوق الفسوق، أو خفقت فيها ريح الإلحاد؛ فهذه الفئة الموعز إليها بالدعاية إلى غير هدى وغير أدب، قد ملكت لنشر باطلها وسائل أهمها الإنفاق؛ وإذا وجب على الأمة أن تميط أذى هذه الدعاية عن طريقها، فخطاب هذا الواجب يتوجه إلى الكتّاب والخطباء، ثم إلى كل من له شيء من القدرة على البذل في سبيل الدعوة، كفتح نوادٍ لإلقاء المحاضرات، وإنشاء صحف، أو مساعدة صحف تُظاهر الدعوةَ بإخلاص.

رَفع كتابُ الله منزلةَ القائمين على خطبة الإرشاد، ومن آياته المحكمات قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠]، فالآية تومئ إلى أن المخاطبين بها يفضلون على سائر الأمم، وإنما نالوا هذه الأفضلية بمزية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله. ومن يطلق النظر فيما يتجشمه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر من أخطار، وما يلاقونه من أذى؛ ثم لا يلوون أعنَّتهم إلى راحة، ولا يحملون أنفسهم على مصانعة أو إغضاء؛ يعرف أن هنالك بصائرَ ساطعة، وعزائم متوقدة، وهمماً ينحطُّ أمامها كل عظيم. أفلا يكون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر خير أمة أخرجت للناس؟