وما برح الناس - بعد انطواء عهد النبوة - في حاجة إلى من يعلمهم إذا جهلوا، ويذكرهم إذا نسوا، ويجادلهم إذا ضلوا، ويكفُّ بأسهم إذا أضلوا. واذا سهل عليك أن تعلّم الجاهل، وتذكر الناسي، فإن جدال الضال، وكف بأس المضل لا يستطيعهما إلا ذو بصيرة وحكمة وبيان.
وما برحت العصور تلد من الضالين المعاندين، والمضلين المخادعين، من يحاولون إثارة الفتن، وإطلاق النفوس من قيد الأدب والعفاف؛ وفي كل عصر لا يفقد هؤلاء أولي عزم وإخلاص يقرعونهم بالحجة، ويهتكون الستار عن مكايدهم؛ فيزهق باطلهم، وترهق وجوههم قترةُ الخيبة والخذلان.
ولا تنس أن المضلين المخادعين في هذا العصر قد تهيأ لهم من وسائل الدعاية ما لم يتهيأ لإخوانهم الغابرين: فمن نوادٍ تفتح، وصحف تنشر، وجمعيات تعقد، وأموال تنفق، وجاه يبذل، وسلطات تمالئ وتستبد؛ وهذا ما يجعل الدعوة الرشيدة من أفضل الواجبات، وأحمد المساعي، وهذا ما يقضي على حكماء الأمة بأن يعدّوا للدعوة ما استطاعوا من قوة، ويكسروا شوكة هذه النفوس المحشوّة بالغواية والشهوات، قبل أن تبلغ أمنيتها. وهناك طائفة لم تفسق عن جحود وتمرد، وإنما أُتيت من قِبل الجهل، وعدم صفاء البصيرة، فوضعت بجانب حقائق الإسلام ما يتبرأ منه الإسلام؛ ومن أيدي هؤلاء نزلت البدع، ومن ألسنتهم هبطت المزاعم والخرافات، ومن آرائهم دخل في الكتاب والسنّة ضرب من سوء التأويل. وحاجتنا إلى تقويم أصحاب هذه البدع، تضاهي حاجتنا إلى إنقاذ النفوس الزاكية من أن تقع في حبائل أولئك الذين يضلون عن سبيل الحياة الطيبة، ويبغونها عوجاً.