للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا وقف صاحب القوة العاقلة على وجه الخير أو الشر، فقد يساوره الغضب، أو تسيطر عليه اللذة، فيترك الصالح، أو يأتي المنكر، ولا يبالي بما يوقعه فيه التهاون بالصالحات، أو ارتكاب المنكرات من شقاء بعيد.

وقد تخلص النفوس من تخبط الغضب، أو أسر الشهوات، ثم لا يستطيع أصحابها البقاء دون أن ينشب بينهم نزاع؛ فإن المدارك تتفاوت إما بحسب فطرتها، وإما بالنظر إلى استعدادها المكتسب من التجارب، فترى الرجل يستحسن عينَ ما يستقبحه غيره، بل النفس الواحدة قد يبدو لها الأمر حسناً في حال، فإن لم يوافق غرضها في وقت آخر، انقلب في رأيها شيئاً نكراً. وكثيراً ما يشتمل الأمر في الواقع على وجهي الإثم والمنفعة، فيريد بعضهم جلب منفعته، فيسعى في تقريره، ويرغب آخر في درء مفسدته، فيلوي عنها صفحاً. وربما يشاهد الإنسان الحادثة تنزل بغيره، فيقضي عليها برأي، ولو عرضت له في نفسه، وأدرك مقدار تأثيرها، لعاد إلى الحكم عليها بأشدّ مما قضى به أولاً، أو أدنى.

ولما كانت الأنظار تقصر، والأهواء تتغلب، والعقول تتفاوت وتختلف؛ اشتدت حاجة الناس إلى مصلح إلهيّ يطلق نفوسهم من قيود الأوهام، ويهديهم السبيل إلى ما فيه خير، وينذرهم عاقبة الانهماك في اللذائذ، ويعلمهم كيف يتحامون الفتنة إذا اختلفوا.

هذا وجه من حكمة بعثة الأنبياء - عليهم السلام -, وصعودهم بالناس إلى مراقي السعادة، وإقامتهم القضاء على أسس عادلة.

فبهذه الدعوة الإلهية لبست النفوس أدبًا ضافيًا، وأخذ الاجتماع سُنّة منتظمة، وبصرت العقول بحقائق كانت غامضة. وإذا كان للشرائع السماوية مزية تقويم النفوس، وإنارة البصائر، وفتح طرق الحكمة؛ فإن نصيب الإسلام