وعفّة، ولذلك لا يكون المستحيي فاسقاً، ولا الفاسق مستحيياً، وقلَّما يكون الشُّجاع مستحيياً والمستحي شجاعاً لتنافي اجتماع الجبن والشَّجاعة.
أمَّا قوله لا يكون المستحي فاسقاً ولا الفاسق مستحيياً فمسلَّم؛ لأنَّ الحياء متفرع عن العفَّة، وأمَّا قوله وقلَّما يكون الشُّجاع مستحيياً إلخ. فباطل لأنه يؤدي إلى تنافي الكمالات، وما سمعنا بهذا من قبل ولا نسمعه من بعد، ويدعو إلى إماطة برقع الحياء حيث كان فيه نوع مباينة للشجاعة التي هي أعز ما يتعاظم بها الرجال، وكلمة الحق التي نقولها أن الحياء من متممات الشجاعة ولا تستقيم بدونه، ثم إن الحياء وسط بين رذيلتين إحداهما الوقاحة والأخرى الخجل. ويقال لها: الخَرَقُ، أما الوقاحة فمذمومة بكل لسان بالنسبة لكل إنسان، وحقيقتها لجاج النَّفس في تعاطي القبيح:
صلابة الوجه لم تغلب على أحدِ ... إلّا تكامَل فيه الشرُّ واجتمعا
وأما الخَرَقُ: وهو الدهشة من شدة الحياء، فيذم به الرجل اتفاقاً لا سيما في المواطن التي تقتضي حدة وإقداماً، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحكم بالحقِّ والقيام به وأداء الشهادات على وجهها، ثم إن الحياء ولو كان جليَّاً، قد يزيد بالكسب بواسطة مطالعة أخلاق الكُمَّل وهي إحدى فوائد علم التاريخ" أو كثرة الحضور بمجالستهم، وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه، فإذا شعر العاقل بذلك استحيا أن يستعين بها على معصيته، ولا ينشأ ذلك الشعور إلا عن عظمٍ في النَّفس وسِعةٍ في العقل.