هنالك، وأريناك رأي العين أن هذا الشعر الجاهلي أنفس بضاعة تفاخر بها أمة ذات ذكاء فطري، وتفكير لا يستمد من دراسة أو تعليم.
وقد تساءل قبل المؤلف (مرغليوث)، وجرجي زيدان عن هذا الشعر الجاهلي: لماذا لم يمثل ديانة العرب؟. أما (مرغليوث)، فقد اتخذ قلة اشتمال الشعر الجاهلي على الآثار الدينية؛ كما اتخذه المؤلف شاهداً على أن هذا الشعر ليس من الجاهلية في شيء، وأما جرجي زيدان، فلكونه أصبر على البحث من المؤلف، وأعرفُ بحال الشرق من (مرغليوث) أجاب عن هذا السؤال بما قصصناه عليكم، وخلاصته: أن حال العرب لذلك العهد ليست كحال من يعنى في شعره بكثرة التعلق بالمعاني الدينية، وأن المسلمين لم يكونوا ممن يرغب في نقل شعر يحتوي على آثار ديانات يرونها غير مستقيمة، وليس بمستنكر عليهم أن يحيدوا بروايتهم عن بيت أو أبيات يظهر فيها أثر نحلة أو ديانة قاموا بالدعوة إلى شرع يريد الظهور عليها، وعلى الرغم من عدم احتفالهم برواية هذا النوع من الشعر، فقد بقي له أثر في بعض الكتب الأدبية أو التاريخية.
يقول المؤلف: إن هذا الشعر لا يمثل حضارتهم، ولم يبحث في هذا الموضع، ولا فيما سلف عن هذه الحضارة حتى يظهر أمرها، ويوازن بينها وبين هذا الشعر ليعلم: هل هو ملائم لتلك الحضارة، أم غير ملائم لها؟ ولم يكن منه فيما سبق سوى أنه كان يدخل هذا المعنى في أثناء حديثه عن قوة عقليتهم، واستنارتهم، وعلمهم بالسياسة؛ كقوله: كانوا أصحاب عيش فيه لين ونعمة، وقوله: وإذا كانوا أصحاب علم ودين وسياسة، فما أخلقَهم أن يكونوا أمة راقية! وكذلك كان يدخل في أثناء الحديث اسم الثروة دون أن