قال عز الدين بن عبد السلام للملك نجم الدين أيوب في مجلس حافل برجال الدولة: يا أيوب! ما حجّتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوّئ لك ملك مصر، ثم تبيح الخمور؟! فقال: هل جرى هذا؟ فقال: نعم، الحانة الفلانية يباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة. فقال: هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي. فقال: أنت من الذين يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}[الزخرف: ٢٣]، فرسم الملك بإبطال تلك الحانة (١).
نعلم أن السلطة السياسية تتتقل أطواراً، وأن موقف العلماء أمام الأمراء يختلف على قدر ما يكون للعالم من مكانة في قلوب الأمة، وعلى قدر ما يكون للأمير من حماقة أو أناة. واختلاف السياسة أطوارًا، أو اختلاف مواقف العلماء أمام الأمراء إنما يقتضي أن يكون لكل طور سياسي- أو لموقف كل عالم- أسلوب في الدعوة يطابق مقتضى الحال، أما أصل دعوة الأمراء إلى حق أو صالح، ففريضة قائمة، وعز الدين بن عبد السلام، وأحدُ علماء هذا العصر - في احتمال أمانتها، ووجوب تحرير الذمة بأدائها - على سواء.
٢ - ضعف الجأش، وقلة الصبر على المكاره، وهو خلق يقطع لسان صاحبه عن قول الحق؛ مخافة أن لا يرتضي بعض الناس قوله، فيضمروا له البغضاء، ويسوموه أذى أو تهمكاً:
وكم سقتُ في آثارهم من نصيحةِ ... وقد يستفيد البغضة المتنصحُ
وقد تعرض الكتاب العزيز لخصلة الاستهزاء بالمرشدين، ونبه على