أنها عادة مالوفة، وأذى يعترض في طريق كل مناد بالإصلاح، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الحجر ١٠ - ١١].
وقد يقص علينا من بذائهم ومكرهم ما يصح أن يكون من حكمةِ تسلية الدعاة، وتأكيد عزمهم على مواصلة الدعوة، وقلة الاكتراث بما يلاقونه من شغب وإساءة، فإذا لقي رُسُل الله- عليهم السلام- من سفهاء القوم أذى كثيراً، فأغمضوا عنه، وداسوه بأقدامهم، فلا يسع غيرهم ممن يريد الخير لأمته إلا أن ينصح لهم، ويفتح في طرق الهداية أبصارهم، ولا يبالي بمن ينغض إليه رأسه ساخراً، أو يطلق فيه لسانه لامزاً.
٣ - إن في الرؤساء من تجمح بهم أهواؤهم عن ناحية العدل، ولا يرقبون لفضيلة العفاف عهداً، فيكيدون لكل من شأنه الدعوة والإصلاح؛ لكيلا يتعرض لسيرتهم، أو يتطاول إلى نقد سياستهم. وهذا الضرب من الاستبداد يلقي في النفوس الضعيفة حذراً بالغاً، ويقلب العارفين بطرق الإصلاح إلى حال الغافلين عنه، فتراهم ينظرون إلى الفساد يتقلب في البلاد كأنهم لا يبصرون.
قد يعذر أمثال هؤلاء في عدم التعرض لأحوال الرؤساء المستبدين؛ حيث اعتقدوا أن خوضهم فيها يسوقهم إلى عقوبة لا طاقة لهم بها. ولا عذر لأحد في الصمت عن التذكير جملة إلا إذا بلغ هؤلاء المستبدون أن يضعوا عقوبتهم على ظهر كل من ينهى عن منكر، ولو لم يكن له صلة بسياستهم الجائرة، ولعلك لا تجد في أنباء الدول من يتخطبه شيطان الاستبداد حتى يسطو على كل من ينطق بالحكمة والموعظة، وواجب العلماء أن يقوموا