٤ - أن يغلوَ العالم في الورع، فيأبى الذهاب إلى حيث يأمر بمعروف، أو ينهى عن منكرة حذراً من أن يغشى ناديَ منكر، أو يختلط بصاحب ضلالة.
حكى القاضي عياض في كتاب "المدارك": أن عضد الدولة فنا خسرو الديلمي بعث إلى أبي بكر بن مجاهد، والقاضي ابن الطيب ليحضرا مجلسه لمناظرة المعتزلة، فلما وصل كتابه إليهما، قال الشيخ ابن مجاهد وبعض أصحابه: هؤلاء قوم فسقة، لا يحل لنا أن نطأ بساطهم، وليس غرض الملك من هذا إلا أن يقال: إن مجلسه يشتمل على أصحاب المحابر كلهم، ولو كان مخلصاً، لنهضتُ. قال القاضي ابن الطيب: فقلت لهم: كذا قال المحاسبي، وفلان، ومن عاصرهم: إن المأمون فاسق لا يحضر مجلسه، حتى ساق أحمد بن حنبل إلى طرطوس، وجرى عليه ما عرف، ولو ناظروه، لكفّوه عن هذا الأمر، وتبين له ما هم عليه بالحجة. وأنت أيضاً - أيها الشيخ - سلكت سبيلهم حتى يجري على الفقهاء ما جرى على أحمد، ويقولوا بخلق القرآن ونفي الرؤية، وها أنا خارج إن لم تخرج. فقال ابن مجاهد: إذا شرح الله صدرك لهذا، فاخرج.
٥ - أن يقوم الرجل بالإرشاد، فلا يجد ممن فيهم الكفاية مساعداً، وربما أدخلوا في قلبه اليأس، وسدوا باب الأمل في وجهه متكئين على دعوى فساد الزمان، وعدم إفادة النصيحة عند غلبة الفساد، وهو الخاطر الذي يسر أعداء الأدب أن يستقر في نفس كل مؤمن، فيجدوا من خمول أهل العلم وكسلهم، ما ينشط بهم إلى أن ينادوا للخروج على الفضيلة وهم آمنون.
٦ - أن يجد العالم في سيرته سيئة أو سيئات، فتلقي في نفسه الذلة