والرهبة، ويترك الإرشادة حذراً من أن يلمزه بها الناس حين يقوم بينهم مقام الواعظ الأمين. والعادة أن من يخرج للناس في ثوب مرشد، وقد علقت بسيرته وصمة، لم يلبثوا أن يذكروه بها، وينشدوه:
يا أيها الرجلُ المعلّم غيرَه ... هلّا لنفسك كان ذا التعليمُ
فينبغي للعالم أن يكون ذا نفس زكية، وساحة نقية، حتى لا يكون الخلل في سيرته كالشجا يقف له في لهاته، ويمنعه من هداية المسرفين. وعلى أي حال كان، لا يليق به الإحجام عن الإرشاد، فإن ما يعرفه له الناس من زلل قد يصرف عنه وجوه العامة، ويقعد بهم عن سماع موعظته، أما الخاصة، فربما انتفعوا بدعوته الموصولة بالحجة أو بيان الحكمة.
٧ - العداوة تنشب بين الرجل والفئة الجاهلة، فتمسك لسانه عن نصيحتهم وإنذارهم ليتمادوا في ضلال، ويتساقطوا على عمل يهوي بهم في خسار. وقد خادعت هذا البائسَ نفسه، فرمت به في غش، وساقته إلى التهاون بواجب النصيحة.
٨ - الشفقة تفيض في فؤاد الرجل، وتطغو على حبه للإصلاح، فترده عن أمر الشخص بصالح فيه كلفة. والشفقة كسائر الفضائل التي يخرج بها الإفراط إلى ما لا يسمى فضيلة، وقد نهى القرآن عن مثل هذه الشفقة الطاغية، فقال تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر}[النور: ٢]. فالحدود والنظم وضعت لحفظ المصالح، واستيفاء الحقوق، فيجب ألا يكون للرأفة الداعية إلى الإخلال بشيء من إقامتها أثر يرى.
وأخرج ابن جرير في "تاريخه" عن سالم: أن عمر بن الخطاب كان إذا