صعد المنبر، فنهى الناس عن شيء، جمع أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير، وأقسم بالله! لا أجد أحداً منكم فعله، إلا أضعفت عليه العقوية؛ لمكانه مني.
٩ - أن يكون المستحق لأن يوجِّه إليه الداعي أمره أو نهيه مثل أب مطاع، أو معلم محترم، فيبلغ به الحياء منه، والاحترام لمقامه أن يسكت عن دعوته المشعرة بنسبته إلى جهالة أو خطيئة. وفيما قصة الله علينا من موعظة إبراهيم - عليه السلام - لآزر، وتسميته أباً، ما يرشدنا إلى أن الأبؤَة لا تمنع من الأمر بمعروف، أو النهي عن منكر، ولكن الأب يستحق من أدب الخطاب ولطف الموعظة أكثر مما يستحق غيره. وفي قصة موسى والخضر- عليهما السلام -، واتباع الأول للثاني بصفة متعلم، ثم إنكاره عليه خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، عبرةٌ للمتعلمين والمعلمين، فللمتعلمين حق الإنكار، وعلى المعلمين أن لا يستنكفوا.
١٠ - علة نادرة، ولا ندري هل بقي لها من أثر إلى هذا اليوم، وهي: أنه كان في الناس من يبدو له أن يترك بعض أعمال الخيرة حذراً من أن يخالط قصدَه الرياءُ، والتطلعُ للسمعة، فيقلص نور إخلاصه، ويفوته ثواب الله في الآخرة. وترك الدعوة بمثل هذا الوسواس ورعٌ خادع، وما على العارف بالإصلاح إلا أن يجاهد نفسه، ويأخذها بأدب الإخلاص ما استطاع، ومخافةُ الرياء تجاه فائدة الدعوة إلى صالح لاغية.
١١ - علةٌ نشات في هذه الأيام، وهي أن الذين في قلويهم زيغ قد وجدوا من القوة المادية، وسلطان الدول الأجنبية، ما يزين لهم نشر دعايتهم الهازلة، فصادفت من بعض الأحداث أفئدة هواء، فباضت فيها وفرخت، وأخذ الإلحاد