للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن قريش إلى الأنصار أن يعود إلى قريش، وإلى مكة مرة أخرى".

سار النبي - عليه الصلاة والسلام - إلى فتح مكة في عشرة آلاف مجاهد بعد أن نبذ إليهم العهد على سواء، نزل بمرّ الظهران، فخرج أبو سفيان يلتمس الخبر، فاخذه حرس عليهم عمر بن الخطاب، وأتوا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانت العاقبة أن أصبح مسلمًا، وتألفه - عليه السلام - بقوله: "من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن"، وكان يتألفه بالمال، ويذهب كثير من الرواة إلى حسن إسلامه، ومما يستدلون به على هذا: أنه شهد فتح الطائف، وهنالك فقئت إحدى عينيه بسهم أصابها من يد الأعداء، وشهد بعدها وقعة حنين، ثم وقعة اليرموك لعهد عمر بن الخطاب، ولو كان منافقاً، لقعد مع الخالفين، ولم يضق به الحال أن يلتمس عذراً، لا سيما إذ كانت السلطة العسكرية لذلك العهد لا تأخذ الناس إلى الجندية قهرًا، ولا تعاقب البُلُط (١) أو المتأخرين عن صفوف الحرب بالفصل بين الرؤوس والأعناق.

ويضاف إلى هذا: أن المنافق قلما استطاع أن يتصل بقوم ليسوا بأغبياء، ويعاشرهم حينًا من الدهر دون أن تظهر سريرته في لحظاته وبين شفتيه، وهذا شأن كل من يحمل سريرة سوداء؛ فإنه لا يملك مردّها، ويقوى على شد وكائها زمناً طويلاً.

فلو كان أبو سفيان منافقاً، لم يخفَ حاله على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة المستنيرين المخلصين، ولو وُسم أبو سفيان بين هؤلاء بميسم النفاق، لكان أثره في التاريخ أوضح، وروايته أقوى. وقد تمرد على النفاق نفوس نشأت


(١) الفارّون من المعسكر.