في خمول، ولا يسهل على الذي يكبر في زعامة كأبي سفيان أن يقضي سنين في كفر يحوطه الكتمان من كل ناحية.
لندع المؤلف يتحدث عن أبي سفيان بما يشاء، فإنه يجد في بعض الكتب أثراً يساعده على أن يمس عقيدته وإخلاصه، وقد اعتاد التمسك بالروايات التي يكثر بها سواد المنافقين والمتهتكين، وإن كانت هباء، وإنما نريد مناقشته في شيء آخر وراء إخلاص أبي سفيان.
يقول المؤلف عن أبي سفيان:"وإما أن يصانع ويصالح، ويدخل فيما دخل فيه الناس، لعل هذا السلطان السياسي الذي انتقل من قريش إلى الأنصار أن يعود إلى قريش مرة أخرى".
نحن على يقين من أن المؤلف لم يتلق بطريق الرواية الصحيحة أو المصنوعة أن أبا سفيان احتمل هذه المصانعة رجاء أن ينتقل هذا السلطان السياسي من الأنصار إلى قريش. وإنما يحاول التشبه بفلاسفة التاريخ المستنبطين، وما هذا الاستنباط إلا من سقط المتاع الذي يقول له المؤرخ بيده هكذا، ويبعده عن ساحة تلاميذه؛ لأنه ناشئ عن عامل غير عامل الفكر، أو عن فكر لا يتمتع باستقلاله.
ينظر المؤرخ يوم فتح مكة، فيجد القائد الأعلى للجند الفاتح من صميم قريش، ويجد كثيراً من هذا الجند لا يمت للأوس والخزرج بنسب، وآخرين لا تزال بيوتهم التي ولدتهم بها أمهاتهم قائمة في بطحاء مكة، ولا يزال آباؤهم أو إخوانهم يغدون من هذه البيوت القائمة وإليها يروحون، وما الأوس والخزرج إلا فرقة من جند تألف حول ذلك القائد القرشي، فالسلطان يوم فتح مكة في يد قريش، ومن البعيد أن يخطر على بال أبي