للفساد الذي ينشأ من تناول المسكرات ضروب متفرقة، وألوان مختلفة؛ لا يسع المقام تفصيلها، فأكتفي بوصف جانب منها، وفيه كفاية لمن يبغي حياة طيبة في الدنيا، وسعادة وحياة خالصة في الأخرى.
تذهب المسكرات بعقل من يتناولها، ولو أنه يبقى كالجماد لا ينطق ولا يتحرك، لكان البلاء مقصوراً عليه، ولكن السفاهة تخلف التعقل، والحماقة تظهر في مكان الكياسة، فلا تسمع إلا أقوالاً لاغية أو منكرة، ولا ترى إلا حركات مزرية به، أو مسيئة إلى من يقرب منه.
قيل لعدي بن حاتم: ما لك لا تشرب الخمر؟ قال: معاذ الله أن أصبح حليم قومي، وأمسي سفيههم!.
تجيء السفاهة في القول من جهة أن الخمر تعطل القوة العاقلة، وتترك الخيال يلقي على الألسنة ما شاء، وشأن الخيال الذي لا يعمل تحت سلطان العقل أن يصور المعاني في غير انتظام، ويمليها على اللسان كما صوّرها، فإذا هي أقوال تلبس صاحبها ثوب المهانة، أو تضعه موضع من يسخر به، أو يثير عليه غضباً.
دعا بعض الأمراء نُصيب بن رباح إلى تناول الخمر، فقال نصيب: أصلح الله الأمير! الشعر مفلفل، واللون مرمد، ولم أقعد إليه بكرم عنصر، ولا بحسن منظر، وإنما هو عقلي ولساني، فإن رأيت أن لا تفرق بينهما، فافعل!.
ويكفي متعاطي الخمور من الحقارة، أن يضرب به المثل عندما يتكلم أحد بما يشبه الهذيان.
وتجيء السفاهة في الحركات، من جهة أن الخمر تعزل العقل إلى جانب،