للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة الله في الأمم، أن وباء الظلم والفسوق إذا ضرب في أرض، وظهر في أكثر نواحيها، لا تنزل عقوبته بديار الظالمين أو الفاسقين خاصة، بل تتعدّاها إلى ما حولها، وترمي بشرر يلفح وجوه جيرانهم الذين تخلوا عن نصيحتهم، ولم ياخذوا على أيديهم، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥]. ومن الفتن ما ينزل على القرى الظالمة، ويأتي على المؤمنين منهم، ولو لم يلبسوا إيمانهم بترك النصيحة، وقاموا بالأمر والنهي جهدهم. فإنك تجد فيما تطالعه من أنباء الأمم: أن الأمة التي يجوس خلالها الظلم والفساد، لا تلبث أن تسقط من شامخ عزّها، فإما أن تقبض عليها يد أجنبية، وإما أن تحل بها قارعة سماوية، وما كان من نوع هاتين العقوبتين يتناول الأفراد الذين نصحوا لقومهم فلم يقبلوا، كما يتناول الصبيان، ومن لا قدرة له على الجهر بالنصيحة.

روي في الصحيح عن زينب بنت جحش، قالت: قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا أكثر الخبث".

وعن ابن عمر: أنه سمع أباه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أنزل الله عذاباً، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بُعثوا على أعمالهم".

ومن البلية في سكوت العلماء: أن العامة يتخذونه حجة على إباحة الأشياء، أو استحسانها، فإذا نهيتهم عن بدعة أو سيئة، وسقتَ إليهم الدليل على قبحها ومخالفتها لما شرع الله، كان جوابهم: أنهم فعلوها بمرأى أو مسمع من العالم فلان، ولم يعترض فعلهم بإنكار.

ومن أثر التهاون بالإرشاد: أن يتمادى المفسدون في لهوهم، ولا يقفوا في اتباع شهواتهم عند غاية، فتقع أعين الناس على هذه المناكر كثيراً، فتألفها