للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدني بالطبع" برهاناً جلياً، ويشرحه لك شرحاً جيداً.

نجد كل واحد، ما عدا الإنسان، من الحيوان مكتفياً بنفسه غير مفتقر في حياته إلى معونة غيره، خلقه الله مكتسياً بما يوافقه من صوف أو شعر أو وبر أو ريش أو ما أشبه ذلك، وأعطاه سلاحاً يدافع به عن نفسه، كالقرون للبقر والغنم، والحافر للفرس والحمار، والمخالب للسباع، والشوك للقنفذ، وبعض جعل له آلة العدو كالأرانب والظبي، وأودع فيه إلهاماً يتناول به ما يلائم طبيعته من الأغذية، ويهتدي به لاتخاذ كنٍّ يسكن إليه.

أما البشر فإنه خُلق على خلاف خلقة الحيوان عارياً أعزل من السلاح الذي يكون مظهراً لإباء الضيم وشدة البأس، غير مهتد لشيء من مصالحه إلا بالتربية والتعليم، فاحتاج في بقائه إلى لباس يتقي به سورة الحر والبرد، ومسكن يأوي إليه ويأنس به، وآلات يذود بها عن حرمه ويحمي بها حماه، وغذاء يدفع به ألم المخمصة، وتعلمُّ ما ينفعه ليسارع إليه ومعرفة ما يضره لينصرف عنه.

وأنت خبير بأن هذه الضرورات والحاجات، ولا سيما إذا انضم إليها ما هو من محسناتها، لا يستطيع الشخص الواحد تحصيلها بنفسه، وإن تعاظم قدره وقوي ساعده، بل لا يحمل أثقالها إلا إذا أعانه عليها قوم آخرون، فمن التمسك بقوانين العدل والإنصاف، أن تمدَّ يد المعونة لأبناء جنسك كما تطلبها منهم، وإلا نفّضوا أيديهم من مؤازرتك عند الحاجة إليهم، ويلوح إلى هذا النكتة، صيغة المفاعلة في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢]، وقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ٣] , ولا يخفى على من له أدنى شعور أن المصالح العامة وسائر الأمور العظام،