لا يخفف وطأتها ويزيح من مشاقها إلا المعونات الكثيرة، ومما يومئ إلى أن للاجتماع مزية وقوة هي مفقودة في حال العزلة والانفراد قوله تعالى:{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ}[يوسف: ١٤] وقوله: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}[القصص: ٣٥]، وقوله:{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}[يس: ١٤] إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.
التعاون شرعاً يتمخض القصد منه في استجلاب المنفعة وإزالة الضرر اللاحق، ولو لفرد واحد من أفراد الجامعة، رعاية للأخوة الدينية، واحتراماً للعهد الذي أخذه عنه الشارع {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}[الإسراء: ٣٤] وكثير من الناس وما هم من الناس، لا تدور مقاصدهم إلا وراء منفعتهم الخاصة، فلا يتحركون إلا لمعاضدة تجر لهم نفعاً عاجلاً، فإذا استُنجدوا لقضية لا يضربون فيها بسهم ولا يستثمرون منها فائدة تخصهم، قالوا: في آذاننا وقر، بل ختم الله على قلوبهم بغشاوة الطمع ودناءة القصد وهم يعلمون، ويلتحق بهذا القبيل بعض من ضربت في نفسه الدنايا، فيقنع بمنزل يؤوي جثته، وإن أُعدِّ له في بحبوحة الخزي والهوان، وميسور من العيش يسد رمقه، وإن كان ذراع خنزير ميت تدفعه إليه يد مجذوم، وجنة تستر عورته وإن كانت أكثر دنساً من عرض لئيم فاجر، حتى إذا ظفر بما يبتغيه من هذه الشهوات الحيوانية، هاجت في صدوره الطمأنينة والسراء، وبات ريان الجفون من الكرى، ولا يعطف عنقه إحساس ديني إلى النظر، ولو بمؤخر عينه، فيما يعوز الأمة التي هو منها بمنزلة الأنملة من الراحة.
إنما رجل الدنيا وواحدها من يكون خضوعه لسيطرة الدين سجية، وعنايته بما يرفع من راية قومه جبلَّة، فلا يرى محزاً في مفاصلهم إلا واصله،