ولا يستصرخون به في مهمة إلا أجاب دعوتهم بجميع ما يملكه من الاستطاعة، يتلمح مثل هذا الرجل العظيم مبدأً من أصول الإصلاحات الكلية، فتلتهب في جأشه الغيرة، وتهب على عواطفه أرواح الفتوة، فلا يتمالك أن يستثير بأقواله السديدة همم أولي العزم من الرجال إلى وضع قاعدته على أساس متين، كراهة أن ينقصهم شيء من المواد الحيوية، فيبلغ صدى استغاثته غالباً إلى ثلاث طوائف:
أحدها: فتية شبوا في أحضان التربية والتعليم، وأخذوا من النبهاهة ورقة الوجدان بنصيب، فيستقبلون كل ما يلقى على كواهلهم من إرشادات الناصح الأمين بمهج ثابتة وعزم صادق لا وَنْيَة فيه، وهؤلاء هم أعضاء الأمة الذين يتركب منهم جسمها الصحيح، وهم الوقاية الضافية التي يستعاذ بها من شر الحوادث الخطيرة.
ثانيها: طائفة ضربت بها الغباوة في غمرات الجمود، فكانت دائرة نظراتها أضيق عليها من سَمِّ الخياط، فإذا عرض عليها ما تفترعه الأذهان المتسعة من الأفكار الجليلة، لم يجد للجولان فيها مساغاً، فتضرب عنه دفعة وتلفظه جملة، ويُقبل عليها الباطل في ثياب الحق، فتُفرِغ له زاوية من القبول، ولا مصدر لما يسميه أهل الدين بدعة إلا هؤلاء الساقطون.
ثالثها: ناشئة لها قابلية للدخول في مضمار السعادة، ولكنهم لم يلقوا أعنة نفوسهم بأيدي عقولهم، بل أرسلوها على غواربها، فهامت بهم في أودية شاسعة لا يسمعون فيها تذكرة الواعظين، ولو سمعوا ما استجابوا لهم.
وكل من الفئة الثانية والثالثة عقبة يعسر على مدارك الحكماء تقويم