العي والفهاهة، ويُكثر من الإشارات التي تخرج به عن حسن السمت والرزانة، ويرتكب التشابيه محاولاً بها إفادة أصل المعنى، لا كما يستعملها اليوم حليةً للمنطق، ومظهراً من مظاهر البلاغة.
ولو صح أن يضع الواضع لكل معنى لفظاً يختص به، لكان الحرج الذي تقع فيه اللغة أن تضيق المجلدات الضخمة عن تدوينها، ويتعذر على البشر حفظ ما يكفي للمحاورات على اختلاف فنونها، وتباين وجوهها. فالقياس طريق يسهل به القيام على اللغة، ووسيلة تمكِّن الإنسان من النطق بآلاف من الكلم والجمل دون أن تقرع سمعه من قبل، أو يحتاج في الوثوق من صحة عربيتها إلى مطالعة كتب اللغة، أو الدواوين الجامعة لمنثور العرب ومنظومها.
وقد يخطر على بالك أن في اللغة العربية ألفاظاً مترادفات بالغات في الكثرة أن يكون للمعنى الواحد عشرات أو مئات من الأسماء (١)، وتودَّ لو صرف الواضع هذه المترادفات إلى جانب من المعاني التي تركها لحكم القياس.
وجواب هذا: أن للمترادفات في بلاغة القول، ورصانة تأليف الكلم، وإقامة وزن الشعر، وتمكين القافية؛ فضلاً لا يغني غيرها فيه غَناءها، فهى من مفاخر اللغة، ودلائل سعة بيانها؛ فالمترادفات تسد وجوهًا من الحاجة غير الوجوه التي يسدها القياس، ولا ننسى أن الكثير من هذه المترادفات قد نشأ من تعدد اللغات، أو من ملاحظة اختلاف دقيق في الأحوال والصفات.
(١) ذكر صاحب "القاموس"، في مادة (سيف): أن للسيف أسماء تنيف على ألف اسم، قال: وذكرتها في "الروض المسوف".