الهدى، وشأنها أن تجعل بينهم وبين السعادة حجاباً غليظاً؟ ولكن نهوضهم بهذه الجمعية، وإقبالهم عليها بمجامع أفئدتهم، يخبرنا اليقين بأن تلك الفتن لم تستطع أن تتجاوز أسماعهم أو أبصارهم إلى أن تصمن قلوبهم، ذلك طيب المنبت، وصفاء الألمعية، ولا ترون ممن زكا منبته، وصفت ألمعيته إلا رشداً فيما يعمل، وسدادًا فيما يقول، وناهيكم بفتيان وجدوا الشرق على شفا موتة خاسرة، فأجمعوا سعيهم على أن ينفخوا فيه حياة ناعمة، ويُلبسوه مدنية طاهرة زاهرة.
فكرة إنشاء هذه الجمعية -أيها السادة- منبعثة عن شعور تحمله قلوب الأمة على اختلاف مشاربها، وتباين مذاهبها، وما هو إلا الشعور بالحاجة إلى أن يكون أبناؤها على علم من مجد أسلافهم الأثيل، وأن يجمعوا إلى الثقافة العصرية هداية إسلامية، وقد صيغ قانون الجمعية على قياس هذا الشعور، فالجمعية لا تتدخل في أي ناحية من نواحي السياسة، ولا تحمل لرفقائنا من ذوي الملل الأخرى إلا مجاملة وسلاماً.
فجمعية الشباب المسلمين جمعية الأمة قاطبة، وإن جمعية محفوفة برعاية شعوب عافت الخمول، وانطلقت في طرق الإصلاح بتلهف، لا تسكن ريحها، ولا تذبل -إن شاء الله- زهرتها.
فامضوا -أيها الشبان النبغاء- في نهضتكم الغراء، ولتكن جمعيتكم مثالَ الإرادة القوية، والحرية المهذبة، والنظام الذي لا يدري التخاذل أين مكانه "وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا".