للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تستطيع- أن تضعها في كفة، ثم تعمد إلى سيرة أعظم رجل تحدَّث عنه التاريخ، فتضعها في الكفة الأخرى، لعرفت الفرق بين من وقف في كماله عند حد هو أقصى ما يبلغه الناس بذكائهم وحزمهم، وبين من تجاوز ذلك الحد بمواهبه الفطرية، وبما خصه الله به من معارف غيبية، وحكم قدسية.

هي دعوة الحق، اتجه إليها أقوام لا يؤمنون بأنها وحي سماوي، فاطلعوا على جملة من حقائقها، ووقفوا على جانب من أسرارها، فشهدوا لها بأنها محكمة الوضع، سامية الغاية، وألمُّوا بأطراف من سيرة المبعوث بها، فاعترفوا بأنه أكبر مصلح أنقذ الإِنسانية من غمرات الاستبداد، وعلّمها بأقواله وسيرته العملية كيف تتمتع بحقوقها كاملة، وتحتفظ بحريتها وهي آمنة.

دعوة تأبى الخمول والإِحجام، حيث ينبغي لها أن تظهر في شهامة وإقدام، تُوجّه نصائحها إلى الأمم على اختلاف طبقاتها، وتفاضلِ درجاتها، فتسدي النصيحة إلى الملوك فمَن دونهم من ذوي المناصب السياسية والقضائية والتنفيذية، وتأخذ بأيدي العاملين من نحو: التجار والصناع والزراع إلى أن يسيروا في الطريق الكافل للسلامة والنجاح، وأقبلت على الأسرة، فرسمت لها نظماً تيسر لها أن تعيش في ألفة وهناءة، فقررت للزوجة والقرابة من نحو الأبوة والبنوة حقوقاً عادلة، وأوجبت على من يستطيع إسعاد ذوي الحاجات بمال أو جاه أن يسعدهم ما استطاع، وأوصت مع هذا برعاية حقوق الجوار.

وراعت في معاملة المخالفين ما تستدعيه من الحزم، ثم ما تستدعيه العاطفة الإِنسانية من الرفق، ففرقت بين من يدخل تحت سلطانها، وبين من يناصبها العداء، فمنحت المسالمين من الحقوق ما تطمئن به نفوسهم، وتنعم به حياتهم، وأذنت في تقويم المناوئين بالقدر الكافي للنجاة من عدوانهم.