ومن هؤلاء العلماء الزاهدين: أبو القاسم حماس بن مروان، ولّاه زيادة الله بن الأغلب قضاء أفريقية، فتولاه، وأبى أن يأخذ عليه أجراً، و"كانت أيامه أيام حق ظاهر، وسنّة فاشية، وعدل قائم".
وكان سحنون قاضي أفريقية "لا يأخذ لنفسه رزقاً ولا صلة من السلطان، وإنما يأخذ لأعوانه وكتّابه من جزية أهل الكتاب".
ومن أبى أخذ الأجر على القضاء، فليدخر ثوابه كاملاً عند الله، أو لأنه كان في غنى، وليس في أهل العلم من يكفي كفايته، فتكون ولايته من قبيل القيام بفرض عين، ومن تعين عليه القضاء وهو في بسطة من المال، فهو الذي لا يجيز له الفقهاء أن يأخذ على ولايته عوضاً.
حقيقة إن الإسلام بنى القضاء على أسس محكمة، ونظم صالحة، وأخرج للناس قضاة سلكوا إلى العدل في الحكم، والحزم في التنفيذ، مسلكاً هو أقصى ما يستطيعه البشر، وأرقى ما يجده الباحث في القديم والجديد، فإذا توفقت الدول الإسلامية لأن تربّي رجالاً مثل من وصَفْنا علماً وجلالة، أمكنها أن تحتفظ بروح العدل الذي لا يجري إلا على يد من تفقه في كتاب الله، وسنّة رسوله، واهتدى بحكمتهما إلى أن الدنيا متاع، وأن الآخرة هي دار القرار.