التي تفقد هذا الخلق تفقد جانباً عظيماً من أسباب السعادة، ويدخلها الوهن بعد الوهن، حتى تتفرق أيدي سبأ، وعليك الإنصات، وعلينا البيان:
بين الأخلاق روابط، وكثيراً ما يكون بعضها وليد بعض؛ كالعدل قد يكون وليد القناعة، وكالشجاعة قد تكون وليدة عزَّة النفس، وكالجبن قد يكون وليد الطمع، وكذلك خلق العناد وعدم الإذعان للحق قد يكون وليد الحسد، وقد ينشأ عن طبيعة الغلوِّ في حبّ الذات، وللغلو في حب الذات فرعان: حب الانفراد بالفخر، دايثار النفس على كل شيء حتى الحق، فالحاسد، أو الحريص على الانفراد بالفخر، هو الذي يسمع الرجل يقول صواباً، فيقول له: أخطأت، أو يسمع الثناء عليه ببعض ما أحرز من خصال، فيقول للمثنى عليه: كذبت. وإيثار النفس على النفس هو الذي يحمل الرجل على التعصب لرأيه، والدفاع عنه وهو يعلم أنه في خطأ مبين.
فمن أراد أن يطبع ناشئاً على خلق الإنصاف، نقّب على علتي: الحسد، والغلو في حب الذات، فإن وجد لهما في نفس الناشئ أثراً، راوضه بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى يتهيأ الناشئ لأن يكون على هذا الخلق العظيم؛ أعني: خلق الإنصاف.
وإذا كان منشأ الحسد قلة ملاحظة أن النعمة تصل إلى صاحبها من علاّم الغيوب، وهو لا يرسلها إلا لحكمة، فإن من وسائل علاج هذا الداء: تلقين الناشئ أن النعم - مادية أو أدبية - إنما ينالها بمشيئة العليم الحكيم.
وإذا كان منشأ الحرص على الانفراد بالفخر هو الغلو في حب الذات، كان على المربي تهذيب عاطفة حب الذات في نفس الناشئ حتى تكون عاطفة معتدلة: تجلب له الخير، وتأبى له أن ينال غيره بمكروه.