وإذا شفي الناشئ من مرض الحسد، وخلص من لوثة الغلو في حب الذات، لم يبق بينه وبين فضيلة الإنصاف إلا أن تعرض عليه شيئاً من آثارها الطيبة، وتذكره بما يدرك المحرومين منها، والمستخفّين بها من خسار وهوان.
وقلة الإنصاف تبعد ما بين الأقارب أو الأصدقاء، وكم من تجافٍ نشأ بين أخوين أو صديقين، وإنما نشأ من جحود أحدهما بعض ما يتحلى به الآخر من فضل، أو من ردّه عليه لرأياً أو رواية، وهو يعلم أنه مصيب فيما رأى، أو صادقاً فيما روى.
قال الحكيم العربي:
ولم تَزَلْ قِلّةُ الإنصافِ قاطعةً ... بينَ الرّجالِ وإنْ كانوا ذَوي رَحِمِ
ومتى شعر الرجل من آخر وإنكار شيء من فضله، أو بتعسفه في معارضه رأيه، رآه غير موضع للصحبة والمعاشرة، وربما وقع في ظنه أن الراحة في عدم لقائه.
قلة الإنصاف تجر إلى التقاطع، والإنصاف يدعو إلى الالفة، ويؤكد صلة الصداقة، فإذا كنت في مجلس، فقرر الرجل رأيًا واضح الحجة، فغلبك ما في نفسك، وحاولت أن تصوره للناس خطأ، فقد ألقيت بينك وبينه عداوة، فإن خضعت لحجته، وأعربت له عن استحسان رأيه، فقد مددتَ بينك وبينه سبباً من أسباب الألفة؛ إذ يشعر من إنصافك أنك لا تحمل له ضغناً، ولا تكره له أن ينال حمداً؛ فإن سبق هذا الإنصاف خصومة، شعر بأنك خصم شريف، فيسعى لأن تنقلب الخصومة سلماً، ويتبدل التقاطع ولاء.
وقلة الإنصاف تسقط احترامك من العيون؛ فإن من يراك تهاجم الآراء