تحقيقه إلى حجة عقلية، فلا يكبر علينا الالتفات عنه، ونعتمد وضعاً آخر لشرط الحياة، فنقول: إن اللغة الحية هي التي يكتب بها طائفة من الأمة على وجه الصحة، ويمكنهم أن يتفاهموا بها كذلك في أي عرض يعرض، وإن كانت في نطق العامة محرفة، ونسمي ذلك التحريف: مرضاً، لا موتاً حقيقياً.
وإذا أثبت أن لغة التخاطب الآن عربية، ولكنها ابتليت بعلل يرجى برؤها منها، وعودها إلى تمام صحتها بالمعالجة شيئاً فشيئاً، فلا يحسن بنا أن نهجر اللغة الفصحى، ونسعى في تدوين لغة العامة على علاتها، فإن تحريفها يختلف بحسب اختلاف الأقطار والبلاد، حتى يكاد أهل الأقطار المتباعدة لا يفهم بعضهم خطاب بعض، وإن اشتركوا في فهم العربية الصحيحة، وإذا أريد أن أهل كل قطر أو بلاد يدونون لسانهم المحرف، فانظروا ماذا ترون. أيجمل بنا أن نعمد إلى لغة يشترك في التفاهم بها جميع المسلمين على اختلاف أجناسهم، ويتخاطب بها ابن الصين مع ابن مراكش بدون واسطة ترجمان، ويينهما من بعد المسافة مثل ما بين ملتقى الخافقين، ونفرقها الى لغات شتى تفريقاً يجعلها -في الأقل- لغات سافلة منزوعة من سر الفصاحة والرونق، ولا تجد قوة تذود بها عن حياضها كما وجدت العربية من ذات فصاحتها حانياً ونصيراً.
وللعربية في نظر المسلم موقع عظيم من الاعتبار؛ لأن الإسلام وإن لم يجعلها من شعائره، فيأمر المسلم بالتزامها في سائر خطاباته، إلا أنه استحب له تلاوة القرآن، والتدبر في معانيه؛ لمعرفة وجوه إعجازه، واستخراج عبره، والاستضاءة بأنوار هديه؛ لأن غيره من كتب الحكمة والإرشاد ليس لقولها سلطان يؤثر على النفوس، ويعمل عمل القرآن في تطهيرها عما يعرض