إن ترقًّى إلى المعالي أولو الفضـ ... ـل وساخت تحت الثرى السفهاءُ
فحباب المدام يعلو على الكأ ... سِ محلاً وترسبُ الأقذاء
فارتفاع الفضلاء إلى المراتب العالية، وهبوط أهل السفه إلى ما تحت الثرى ليس في نفسه بأمر يتعجب منه، أو يتلقي بإنكار، فمحاكاته بارتفاع الحباب على وجه الكأس، ونزول الأقذاء إلى أسفله، إنما كانت مؤكدة له، ومفصحة عن مناسبته للحكمة، وانطباق على سنة الله الجارية، بارتفاع العناصر النقية، ورسوب الأجرام المتعفنة. ومما صغت على هذا النمط:
لايألفُ العزُّ شعباً لجَّ في وسن ... من الخلاعة لامسعى ولا أملا
كالدرِّ يزهو على صدر الفتاة وإن ... دبَّ النعاسُ إلى أجفانها اعتزلا
ومن الدواعي إلى التخييل: تخصيص بعض السامعين أو القارئين بفهم المعنى، إما لفضل ألمعيته، أو لأن في يده من القرائن المساعدة له على الفهم ما ليس في يد غيره، فلو حاورك إنسان في أمة من الناس أقاموا على فريق من أموالهم رقباء، فأردت أن تذكر له أن أولئك الرقباء لم يحرسوها بعين الأمانة حتى تناولها قوم ملؤوا منها حقائبهم، ونثروها في سبيل شهواتهم، فكتبت إليه على مثال ما كنت قلت:
يا رياضاً خانَها الحراسُ إذْ ... غرقت أحداقُهم في وسنِ
سرقت ريح الصبا منك شذى ... طاب وانسابت به في الدمن
لم يستطع فهم ما أردت من الكلام إلا من دارت بينك ويينه تلك المحاورة.
وقد يذهب الشاعر إلى التخييل لقصد التهكم؛ كما قال المعري يتهكم بمن يحكي أن أول من شاب إبراهيم - عليه السلام -: