وإنما نريد تذكير الأمة في هذه الأوقات العسيرة بفضيلة العدل، والسماحة في المبايعات، ويما يعودان به على الفرد والجماعة من خيرات شاملة، وعواقب حسنة، ثم تذكيرها بضرر الخروج على نظم الشريعة، والذبذبة في طرق الغش والخداع.
وينبغي أن نعلم أن لتعاطي التجارة والزراعة والصناعة ثلاثة أغراض:
أولها: أن يقوم الإنسان بما تتطلبه حياته الخاصة؛ من نحو: المطعم والملبس والمسكن؛ ليحتفظ بكرامته، ويعيش في غنى عما في أيدي الناس.
ثانيها: أن ييسر للناس أمر معايشهم؛ إذ ليس كل أحد يقدر على أن يزرع أو يصنع، أو يجلب الأقوات أو البضائع من أماكن بعيدة.
ثالثها: أن يكون قومه في قوة يستطيعون أن يصدوا بها عدوّهم المهاجم، وقد عرفنا أن هذه الأصول الثلاثة هي قوام القوة العملية التي تجعل الأمة في أمن ومنعة.
والناس في المبايعات أصناف:
صنف يأخذ بالإنصاف، فيحرص على أن يستوفي حقه، ويأبى أن يتعداه إلى شيء من حقوق غيره، ويسير هذا الصنف في مبايعاته على طريقة المماكسة، وهي المساومة بالزيادة والنقصان. ولا بأس في الأخذ بهذه الطريقة ما دامت المساومة في حدود الاعتدال، وما زال الفضلاء يأخذون في مبايعاتهم بالمماكسة المعقولة. رُئي عبد الله بن جعفر يماكس في درهم، فقيل له: أتماكس في درهم، وأنت تجود من المال بما تجود؟ فقال: ذلك مالي جُدت به، وهذا عقلي بخلت به.
ومن الناس من يلوذ بالعفاف، ويأبى أن يصل إلى يده شيء من حقوق