للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الترمذي" من حديث عبدالله بن جزء، إذ قال: "ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". وقال جرير بن عبدالله البجلي: "ما حجبني (١) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت، ولا رآني إلا ابتسم".

وكان - صلى الله عليه وسلم - مطبوعاً على خلق الحلم، والعفو مع القدرة على الانتقام. وفي" صحيح الإمام البخاري ": "وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله".

والحوادث التي شملها عفوه الكريم، ودلت على حلمه المنقطع المثيل، مبثوثة في كتب الحديث والسيرة.

وأسوق لك منها قصة رواها الإمام مسلم وغيره من كبار المحدثين، وهي: أنه هبط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غِرَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما كان إلا أن أُخذوا في الأسر، ثم عفا عنهم. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه القصة بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: ٢٤].

ومن المعروف في السيرة: أنه كان يصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، قال أنس: "كنت أمشي (٢) مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعليه بُرد نجراني، غليظُ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال الأعرابي: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك،


(١) ما منعني من الدخول إليه إذا كان في بيته، وأستأذنت عليه.
(٢) "صحيح الإمام البخاري".