للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟! قال له: "إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري"، فزاد عمر أن قال: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنّا نأتيه العام؟ "، قال عمر: لا، قال: "فإنك آتيه، ومطوِّف به".

رأى المسلمون أن في استطاعتهم حرب المشركين، وفي أملهم أن يكونوا هم الغالبين، ولا سيما بعد أن سمعوا الوعد الصادق بأنهم سيدخلون المسجد الحرام، ويطوفوا بالبيت العتيق، ولكن رسول الله رأى أن احتمال هذه الشروط التي تمسك بها المشركون أخف من أن يناجزهم الحرب وفيهم شيء من القوة، فلا يدخلها إلا بعد أن تراق دماء طاهرة، ودماء يجوز أن تطهر بالإيمان في السنة القابلة.

وقد دلت العاقبة على أن المسلمين كانوا ينظرون إلى قريب، وكان الرسول الله ينظر إلى أمد بعيدة إذ كان من عواقب هذا الصلح أن امتد الأمن بين مكة والمدينة، وجرى بين المسلمين والمشركين اتصال، وكثرة ملاقاة، فكان المسلمون يُسمعونهم القرآن، ويناظرونهم على الإسلام علانية، وكانوا قبل هذا الصلح لا يدعون إلى الإسلام بمكة إلا في خفاء، ودخل في الإسلام مدة الصلح كثير ممن كانوا مشركين، أو كن مشركات، فخسر المشركون من حيث أرادوا الفوز، ولم يجئ يوم الفتح الأكبر إلا وهم في ذلة، والمؤمنون في قوة، فدخل رسول الله مكة فاتحاً، وقد ألقوا إليه السلم، بل أقبلوا هم وزعماؤهم يدخلون في دين الله أفواجاً.

فإذا وقفنا عند ظاهر أمر رسول الله، نجد في سيرته ما هو سبب نجاحه في الدعوة، وظهوره على أعدائه.