للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المفاسد التي تجري على يد عالم يشتري رضا المخلوق برضا الله، ويتبدل متاع هذه الحياة بما هو خير وأبقى؟!.

وكم نتلو في القرآن من أنباء دعاة الإصلاح ما شأنه أن يطبع النفوس على خصلة الجهر بالحق، والدعوة إلى الاصلاح، وإن وجدوا الناس على أهواء غالبة، ولقوا في سبيل الدعوة أذى كثيراً. ومن أوضح الآيات في هذا المعنى: قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} [يونس: ٧١].

فالأمة التي تملك الشجاعة الحربية لا تصل إليها يد العدو بأذى، فإذا ضمَّت إلى ذلك الشجاعة الأدبية، استقامت شؤونها الداخلية، وأمنت من أن يفسد عليها رؤساؤها أمر سياستها، أو يضلوا السبيل، فيهيئوا لأبنائها مستقبلاً منكراً شقياً.

ومن تلك الوجوه: ما أتى فيه من كلمات العتاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أشياء فعلها، أو همَّ أن يفعلها، ووجه دلالتها على أن دعوته لله خالصة: ما نراه في طبائع الرجال، ولا سيما ذوي المكانة في قومهم؛ من أنهم يحرصون ما استطاعوا على أن تكون جميع آرائهم في نظر الناس سديدة، وجميع أعمالهم حكيمة ولو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - من أولئك الذين يدعون القرب من الله، والكرامة عنده رياء وخداعاً، وكان هذا القرآن من تأليفه- كما يزعم الجاحدون -, لوجد نفسه في غنى عن هذه الآيات التي تحمل وتدلُّ قراءها على أنه فعل خلاف ما هو الأولى.

لو كان القرآن من تأليف محمد - عليه الصلاة والسلام -, وكان محمد