سيرة صاحبها؛ لعله يقف على أثر يدلّه على أنه يظهر غير ما يبطن، أو أنه يقول على الله ما لا يعلم. ومن شواهد أن سيرته - عليه الصلاة والسلام - كانت نقية من كل ما يخدش في دعوى الرسالة: أن أشد الناس إيماناً به، وأملأهم قلوباً بمحبته وإجلاله، هم أطول الناس صحبة له، ومن لا يكادون يفارقونه إلا قليلاً؛ كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
ليس في سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما يدخل الريب في صحة رسالته، فسيرته من أعظم الدلائل على أنه يحمل نفساً بالغة من العظمة ما لا يبلغه الإنسان الذي يطلب العلا من نفسه، ولو بلغ من العبقرية ما بلغ، ولقن من الحكمة ما شاء أن يلقن.
نرى في محمد - صلى الله عليه وسلم - رجلاً نهض بأمة عظيمة في نحو عشرين سنة، كانت متفرقة متشاكسة، فأصبحت متحدة متآلفة. كانت الأمم تنظر إليها بعين الازدراء، فاصبحت معزَّزة الجانب، تفتح البلاد، وتضرب على هذه الأمم بسلطانها الكريم. كانت في ظلمات من الجهل، فأصبحت في نور من العلم دون أن يجلب إليها من بلاد أجنيية، وإنما هو ذلك الرجل الناهض بها يلقي إليها الحكمة بنفسه، ويزكيها بما يتحلى به، أو بما يدعوها إليه من خصال الشرف والحمد.
نرى في محمد - صلى الله عليه وسلم - رجلاً أقام بين هذه الأمة شريعة تقرر حقوق الأفراد والجماعات، وتشتمل بتفاصيلها وأصولها على كل ما تحتاج إليه في فصل القضايا من أحكام هي مظهر العدل والمساواة، ولم يعقد لهذه الشريعة لجنة تتألف من أشخاص درسوا قوانين بعض الأمم، وإنما هو ذلك الرجل الناهض بها، يملي عليها أحكام الوقائع، مدنية كانت أو جنائية، يمليها عليها في