فالهجرة هيأت للإسلام أن تكون له حكومة ذات سلطان غالب، وكلمة فوق كل كلمة.
والهجرة مكنت الحكومة الإسلامية أن تقضي بشرع الله الحكيم، ويالسلطان الغالب يقهر الأعداء، ويالشرع الحكيم يعيش الناس في أمن وسعادة، وكذلك كان شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة؛ فقد كان من القوة وتأييد الله تعالى له أن أصبحت الجزيرة العربية في بضع سنين طوع يمينه، وموضع نفاذ أمره، وأصبحت الأمة بما شرعه الله من أحكام المعاملات والجنايات، وبما أنار به النفوس من الحكم السامية، تتمتع بسياسة عادلة، وحياة زاهرة.
وإذا شئتم مثلاً واضحاً لما جاءت به الهجرة من الخير العظيم، فانظروا كيف خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة مهاجرًا، وكيف دخلها فاتحًا، فما ذلك الفتح المبين إلا وليد الهجرة التي نحتفل بذكراها هذه الليلة، وبفتح مكة انكسرت شوكة خصوم الإسلام في الجزيرة، وأقبل العرب على الدخول في الدين أفواجًا، حتى تألفت أمة مسلمة رفعت راية سيادة في أقصى الشرق، وأخرى في أقصى الغرب.
وانظروا إلى القرآن المجيد إذ أشار إلى ما أنعم الله به على نبيه الكريم من النصر والتأييد، تجدوه ابتدأ بنصره وقت الهجرة، وعطف على ذلك ما اتصل بالهجرة من ظهوره على أعدائه، وبلوغ رسالته غايتها؛ من اعتلاء ذكر الحق، وانحطاط الباطل، فقال تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ