وأما المدينة فلم تكن معروفة قبل الإِسلام بشيء من الفضل على غيرها من البلاد، وإنما أحرزت فضلاً بهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المؤمنين بحق، وبهجرة الوحي معهم إلى ربوعها، حتى أكمل الله الدين وأتم عليهم النعمة.
وأما أثر بركة الهجرة في انتشار الإِسلام، وإعلاء كلمته، فلأن الإِسلام كان بمكة في شيء من الخمول، ولم يكن الجهاد قد شرع؛ إذ لم تتهيأ أسبابه، أما بعد الهجرة إلى المدينة، فقد نزلت آيات في القتال؛ كقوله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}[الحج: ٣٩]، وقوله تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا}[البقرة: ١٩٠].
فإذا احتفلنا بذكرى الهجرة الشريفة، فإنما نحتفل بذكرى اليوم الذي ابتدأت فيه الهداية تسير سيرها الحثيث في الشرق والغرب، وذهبت فيه العزّة تمد ظلالها على كل جماعة تنادي بأرفع صوت:"حي على الصلاة، حي على الفلاح".