حتى أصبحوا يتخيلونها في الخصال الدّنيئة كاللصوصية، فإن الناس الذين يبحثون عن عظمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنما يذهبون إلى وجوه السيادة والكمال، والفرق بين ما يعدّ كمالًا وشرفًا في الإنسان، وبين ما لا يدخل في هذا القبيل، سهل المأخذ، وما هو من الباحث المنصف ببعيد.
توصف الأشياء بالفضل، فيقال: هذا السيف أفضل من ذلك السيف، وهذه اللؤلؤة أفضل من تلك، وهذا الإنسان أفضل من ذلك الإنسان، ووجوه الفضل بين هذه الأنواع الثلاثة مختلفة. والمعروف لدى أهل العلم أن الفضل في كل شيء زيادته فيما هو كمال فيه، وكل شيء يكمل بالوصف الذي يمتاز به، ويراد منه، فكمال السيف في صرامته، وكمال اللؤلؤة في إضاءتها وصفائها، وكمال الإنسان في علمه الصحيح، وعمله الحكيم، ومنطقه البليغ.
فالعظمة التي يسمو بها قدر الإنسان بين العقلاء، وتوجُّه الناس إلى البحث عنها عند ذكر محمد - صلوات الله عليه - هي العظمة القائمة على الحكمة، وفصل الخطاب.
وإذا التبس الحال على بعض الناس، فحسب شيئاً من الآراء الباطلة علماً صحيحاً، أو تخيل بعض الأعمال المكروهة عملاً مستقيماً. أو عدَّ بعض الهذيان قولًا بليغاً، فقد وضعت النظم المنطقية، وفتحت بعض المناظر لكشف مثل هذا الالتباس.
على أن من الخصال والأعمال ما لا يختلف أولو الأحلام في كماله وحكمته، ومن هنالك رأينا كثيراً ممن لم يهتدوا بنبوة محمد - صلوات الله عليه - يشهدون بعلو شأنه، ويذكرون عظمته بمنتهى الإعجاب.
جرى ذكر (لوثر) لدى الفيلسوف (فولتير)، فقال: "إنه لا يستحق أن