بعدهم رجال فقدت معهم الخلافة شيئاً مما كانت تعهده في أولئك الخلفاء الراشدين من الزهد في الدنيا، والاستقامة على ما أمر الله في كل حال، وشعر الناس بفرق جليّ بين عهد الخلافة الرشيدة، والخلافة التي أخذت بعض أساليب الملك المكروهة، وما زالت هذه الأساليب الخاطئة تتزايد حتى كادت تذهب بمعظم ما أرشد إليه الإسلام من عدل وحرية ومساواة.
وربما وقع في بعض الأوهام أن القسوة وأبهة الملك اللتين ظهر بهما بعض الخلفاء، أو بعض وزرائهم، أو عمالهم أمر يقتضيه حال الناس، وما طرأ على أخلاقهم من فساد، ويسوقون على هذا أنه قيل للحجاج: لم لا تكون كعمر بن الخطاب؟ فقال: تبذَّروا، أتعمّرْ لكم؛ "أي: كونوا كأبي ذر الغفاري، كن لكم كعمر بن الخطاب".
وقد أظهر الله في خلال ذلك العهد - الذي صارت فيه الخلافة إلى ملك عضوض - فتى دل بسيرته الماجدة الفاخرة على أن في استطاعة كل أمير نير البصيرة، طيب السريرة أن يقيم الشريعة، ويبسط ظلال العدل، ويرفع راية العلم، ويعمر السبل بالأمن، ويجعل الناس في نعيم من العيش، وإن وجد الأهواء في تشعب، والقلوب في تفرق، والأخلاق في فساد، وذلك الفتى هو عمر بن عبد العزيز.
* نسب عمر بن عبد العزيز:
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وفي عبد مناف يلتقي نسبه بنسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجدُّه مروان بن الحكم هو الذي جلس على عرش الخلافة بعد وفاة معاوية بن يزيد ابن معاوية سنة ٦٤، وتوفي سنة ٦٥ بعد أن عهد بالخلافة إلى ابنه عبد الملك.